الثلاثاء، 20 يناير 2009

العام الجديد

العام الجديد

سويعات و يبدأ عاماً يقال أنه جديد علينا ....و لا أدري كيف يكون ذلك، فأسماء أشهره كما هي لم تتجدد، و أسماء أيامه كما هي لم تتغير و حتى أرقام بداياته و نهاياته واحدة، أخبار شلالات الدم و نزيفه ستملأ الأخبار صباحاً كما ملأتها الآن.. تدور الرحى بأبناء النسيج المتمزق، هذا الذي تتفتت خيوطه قهراً تحت أقدام العابرين بالتاريخ، متلذذين برؤية نزف دماء الأطفال و الثكلى و الأزهار اليانعة شباباً و صبياناً. ألهذا الحد اعتدنا رؤية الأشلاء و القهر و الجوع. فماذا ننتظر من عام غرته بحور حمراء تغلي بعظام أبدان الصغار و أحلامهم في الغد الآمن.

ستخنقنا القنوات و المحطات بالاستفتاءات عن أفضل مغني و مطرب للعام الماضي، أفضل أغنية، أفضل ممثل و أفضل ممثلة، أفضل مسلسل و أفضل فيلم سينمائي، و قد ينضم للركب أفضل فتوة كذلك. ما من استفتاء عن أفضل قصيدة، أو أفضل شاعر أو أفضل كتاب، أو أفضل كاتب أو أفضل عمل خيري اجتماعي أو حتى أفضل سبق صحفي ..لماذا؟ حقا لا أدري. العام الجديد العام الجديد..بم أتانا هذا العام و أي الأماني سنعلق علي جدران الشهور القادمة ..سننتظر سانتا كلوز بجوال هدايا الغد المصنوعة من البلاستيك الغير قابل للكسر و غير قابل للنمو كذلك! سننتشي بوعود أنفسنا الكاذبة عن التغيير و الأحلام و المواطنة و الحقوق المسلوبة و الوعيد لكل خارج عن قانون الأمنيات المكتوب بحروف الماء الآسن. سنقيم الحفلات و نمني أنفسنا بالمجون عشية العام الجديد، سنقيم الولائم على شرف جثث ضحايا العام الماضي و الأتي و بدء التاريخ. سنرقص هذياناً و سكراً علنا ننسى و لو لليلة تلك الأشلاء التي نخط فوقها مع كل نفس و نتقيؤها مع كل زفير.

العام الجديد...آاااه
وجه يطل على الشاشة يهنئك بالغد الجديد القادم، كأنك لا تعلم بقدومه، يمنيك بالأفلام التي ستملأ ليلتك نسياناً و غرقاً في بحور العسل و الرهبة و الإثارة و الدراما. اللقاء الحصري مع شخصية العام و مطربته الأكثر شعبية، الأكثر تأثيراً في عقلك، الأكثر قدرة على تفعيل الهذيان و النسيان و الأحلام داخلك. تقلب المحطة ...يا للبشاعة
إنها الأخبار المليئة بالحقيقة دون رتوش ....تهرب ...كيف تواجه أخبار هزيمة نفسك في معركة الوجود الإنساني
...ترى الجثث و الدمار و بكاء الثكلى و الأطفال و النساء ...بل ترى دموع الرجال الأشد منك شجاعة و بأساً ...ترى أعينهم تنظر إليك و تشير بأيدي يغطيها الدم و بقايا لحم فلذات كبد الأرض ..قد تبكي عيناك و قد يبكي قلبك.. و قد لا تبكي بل تسب و تلعن ...الشاشة التي عكرت صفوك عشية العام الجديد... أو تلعن نفسك لأنك تنعم بالعام الجديد و هم في نفس العام منذ بدء دهور النسيان ...و قد تقلب المحطة بكل برود..لقد اعتدت الأخبار منذ أن كنت طفلاً و لقنتك أمك كيف تبتلع أقراصاً ضد اللوم ، ضد الذنب، ضد وجودك فأنت حقاً جزء من ترس متناهي الصغر من تروس الحياة ....و ماذا بيدك لتفعله للعالم بتروسه الأكلة للحم البشر الداهكة لعظامهم المستعصية على البلع بعكس أقراص أمك السهلة التي تعرف طريقها لجوف حلقك ببعض الماء.

تتوالى أمنيات العام الجديد...
- سأكون أكثر حرصاً على مالي ...العالم يخسر ماله في عشية و ضحاها
-أتمنى أن تحبني
- في العام الجديد سأكون أكثر اقتناصاً لفرصة البيع في المزاد...لن أترك مزاداً يهرب من يدي
- سأكون أكثر تقرباً من الله...لقد آن أوان ذلك
- سأقبل على الحياة و أكون سعيد مهما كلفني ذلك
- سأعطي معلمتي الهدية التي صممت أميا على شرائها حتى أضمن نجاحي هذا العام
- سأقبل على زوجتي فلأعطيها جزءاً من وقتي بعد العمل ..لقد قصرت في حقها
- أتمنى أن يعم السلام العالم!
- سأخلص لزوجي هذه المرة
- أتمنى أن أجد وظيفة
- أتمنى ألا أخسر الرهان على حبك
- لن أكذب عليك يا أمي ثانية
- ليت الحروب تنتهي و نعيش كلنا في سعادة
- أتمنى أن يصدق أبي و يشتر لي الدراجة التي وعدني اياها
أتمنى أن أهاجر هذا البلد المقزز
- لن أدع ليلة من المتعة تفوتني لم أزل صغيراً على الألم
- أتمنى أن يحدث في العام الجديد تفعيل للقوى الديمقراطية في البلاد
- أتمنى أن أكف عن السجائر و شرب الشيشة
- أتمنى أن تصل القوى المتناحرة إلى اتفاق يقرب من وجهات النظر نحو مستقبل أفضل من أجل الحرية و المساواة والتآخي ففي النهاية نحن أبناء أمة واحدة......الخ
- أتمنى أن أضع طفلة لأسميها جيجي
- أتمني أن أنجح هذا العام و أجتاز الاختبار اللعين
- أتمنى أن ينتهي العالم
أتمنى أن أقضي إجازتي في استرخاء تام

و أنت ...ماذا في جعبة أمنياتك ؟
أتتمنى أن يتوقف القتال في غزة و تحل القضية الفلسطينية و العراقية و الإسلامية و السودانية و الديمقراطية و الاقتصادية و النفسية و العربية و الفكرية و النقدية و الاجتماعية و العقدية و الإرثية و الشعبية و العمالية و النسائية و الجهادية و الإرهابية و التراثية و ال......وجودية؟

أرأيت .....هذا العام الجديد قديم جداً قدم بدء دهور النسيان و العتمة و الألم

27\12\2008

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

وأنا أتمننى أن أراكى دائماً كما أنتِ
متألمة ... ثائرة ... نابضة ... حائرة
رفيق هلال