الخميس، 13 نوفمبر 2008

لحظة



نظرت إلى أظافرها بعد أن أطلتها بهذه الدرجة الهادئة من البنفسج...أحبت المنظر الرقيق ليديها المتعبتين. كم تخشى إدمانها لرقتها الخافية...وإحساسها بالجمال، و هذا ما يفوق احتمالها... تعلم أن هذا المنظر الرقيق يزول بعد غسل الصحون بضع مرات. تنظر في المرآة، لم تخش يوماً تجاعيد الحياة و أكثر ما أزعجها منظر عينيها الجميلتين محاطتان بعلامات الإرهاق و قلة النوم...ذلك الأخير الذي باتت تقاومه خشية أن يضيع الوقت فيه و ويتوه و لا تلحق بأحلام يقظتها المتربصة لها وراء الباب...و جوار الكرسي، و علي حافة نافذتها، و داخل كوب قهوتها، بل و في عناوين الأخبار و رسائل الأصدقاء، تنهرها كما تنهرها أمها على تكاسلها في السعي وراء ذاتها.و بحثها في أغوار ذلك الشيء الذي يتكشف لها منه الجديد كل يوم ..تدركه...تندهش..و تمضي لحالها مثقلة بتلك الذات المترامية ...غابات كثيفة تبدو موحشة ليلاً تلتبس الطرق فيها...تود لو تدرك حدودها. تود لو كانت عمل نحتي أمامها تدور حوله في تمعن لتراه و تفحصه من كل الجوانب: الأمام ، الخلف، فوقه و تحته، التفاصيل الصغيرة ..الكتل ، النتؤات ، التعاريج، البقع المضيئة و تلك المظلمة...تستعرض تلك الذات و تحفظها عن ظهر قلب، و بعد ذلك يمكنها أن تنهي وجودها من الأرض! لا يهم ، المهم ألا تفاجأ بشيءٍ جديد كل يوم أمام المرآة ....

تترك المرآة...تلتفت ليديها الجديدتين و تشمئز من المنظر الرقيق، تدب في الأرض متمردة الخطوات لتحضر قنينة مزيل الطلاء، تزيل اللون الذي أعجبها منذ دقائق... تنظر من جديد ليديها القديمتين، تبتسم...ترمي بقنينة الطلاء من النافذة التي تسترق منها أحلامها إليها .....تعود لغسل الصحون!

الأحد، 9 نوفمبر 2008

الصداع

استمتع بانقشاع غيمة الصداع من رأسي بعد ان ابتلعت قرصين من الدواء..أشعر بالضغط ينسحب ببطء من عروقي و كأنني سأذهب في حلم بعيد...تتمدد عروقي بعد انكماشها و تتوقف مطرقة الألم ، أتكون القراءة هي السبب؟ لقد مكثت يومين كاملين أقرأ لأحاول اللحاق بذلك الركب الذي نويت أن امتطيه...أتكون الكتابة هي العمل الوحيد المتم ..أم أنه سيضاف الي جملة أعمالي غير المكتملة!! حتى لوحاتي القديمة حين أنظر إليها الأن، أجدني لم أكمل أيا منها و أنا التي لم أظن يوما انني سأتوقف عن المسك بالفرشاة و كب الألوان في عبثية طفولتي، كم أشتاق لتلك الوقفة أمام اللوحة البيضاء لأبدأ مخاضاً عسيراً يولد فيه جزء من نفسي مرة ثانيةً....رائحة الزيت و الوسائط الطيارة تملأ أنفي بل و ملمس الألوان في أناملي المتسخة ..لازلت أحتفظ ببعض الملابس الملطخة بالألوان ...بل و أذكر كل بقعة من أي لوحة..أنفض عن رأسي بقايا الألم و أخرج لدفع اشتراك تعليم القيادة في المحافظة ...يقابلني موظف من هولاء الذين أشاهدهم في التلفاز و أسمعهم في المذياع "شوف مصلحتك يا سيد..سمعني سلامو عليكم!" ..لا يبتسم ..لا يتحدث ..لا ينظر حتى إلي وجه متحدثه ..بل يحدثه في أثناء انهماكه في الأعمال الورقية ..متجهم ..يكاد أن يلوح لنا بالعصا من خلف مكتبه و ينهال علينا بها ضرباً حتى لا نعاود التفكير في القيادة مرة أخري! أثناء انتظاري لدوري استرقت النظرات الي وجهه..برغم عبوسه ..فضحته ملامحه الطيبة و بشاشة لحيته القصيرة البيضاء ، تخيلت ما يمكن أن يجول بخاطره و هو يملأ الدوسيهات و الإستمارات لمئات المتقدمين المقبلين علي القيادة و امتلاك السيارات الجديدة التي كدست مدينته الحبيبة و التي طالما عرفت بهدوءها و خلوها من الزحام ..تخيلته بعد أن يودع كل الأموال حصيلة اليوم ليذهب ليستلم مرتبه الذي بالكاد يكفي حاجة أسرته هذا و إن كفاها، تخيلته و هو بوابة القيادة يجري وراء الحافلة كل صباح و يحشر وسط الركاب ليعاني المهانة اليومية في وسائل المواصلات برغم كبر سنه و شيخوخته. تخيلت كل تفاصيل حياته في دقائق، تخيلته والدي الغائب عني ...و كم أشتاق إلي وجوده معي الأن ...في هذه اللحظة ذاتها لأني أعلم جيداً أنه كان سيأتي معي بالتأكيد لو كان قريباً و ما كان ليتركني أواجه هذا التجهم ...
عدت لوجه الموظف الشيخ أراقب يديه وهي تلقي بالأوراق فوق المكتب ليستلمها صاحبها ..أنا لم أدخل الحجرة بعد، " متدخلي يا ماما مالك وقفة برة كده ليه؟" و بالرغم من أن كلمة "ماما" هذه يمكن أن يقوم عليها شجاري مع قائلها و فقداني لأعصابي و إفراز بنكرياسي لكمية كبيرة من الأدري نالين الكافية لتعكير دمي يوماً كاملاً أو يومان، وجدت نفسي أجيب " حاضر". الحجرة صغيرة جداً و بالكاد تكفي الرجلين المتقدمين علي في الدور وكنت كل هذا الوقت واقفة أمام الباب أنتظر بإحترامي دون أن أحشر في المكان والذي يسمح باحتكاكي الجسدي المتوقع مع الواقفين داخله و هذا أكثر ما يقززني في التعامل في أي مكان حكومي أو وسيلة مواصلة عامة، ألا يكفي مناداتك لي "يا ماما"
لم أدرك أبداً سر استخدام هذه الكلمة في مخاطبة النساء في الأماكن العامة أياً كان شكلهن أو عمرهن، أيظنون أنها نوع من أنواع الاحترام أو ما شابه؟ و لكنها ايست كذلك، ماذا و ان كانت المرأة المخاطبة عقيمة ... أنذكرها طوال الوقت بذلك طالما تسير بالطرقات و تحتك بالعالم؟ أنخاطب أي امرأةهكذا بأقدس و أنبل الأسماء و الخاص بأمهاتنا فقط..ابتسمت و أنا أفكر في رد أمي على هذا الرجل لو كانت في موقفي "أنا مش مامتك! متقوليش يا ماما! قول يا مدام !" يبدو أنني ورثت عنها نفس الشعور. أخذت منه ما يجب علي ملأه من الاستمارات و توجهت للخارج علني أجد مكاناً أستطيع أن أقف و أتم الملء " تعالي هنا يا ماما رايحة فين مالكراسي كتير أهيه!" يا ويلتي أين أجلس يا رجل؟ و يبدو أن أحد الرجلين شعر بإحراجي و تخبطي فقام من مجلسه و كأنه ذاهب ليقف جوار المكتب فجلست مكانه و شرعت أكتب و أملأ الخانات الاسم الكامل ، الميلاد، جهة الميلاد، الشهادة المطلوب إخراجها هاوي أو محترف.....ماذا تعني هاوي أو محترف؟ أأقود كهاوية في شوارع مصر المحروسة بجانب سائقي الأجرة المتعجرفين و الرجال الحانقين علي قيادة النساء بسبب حق أتنزعنه منهم عنوة و على غير إرادتهم فيتصيدوا لنا الخطأ و لا مانع من المعاكسة إن أمكن ذلك، تركت هذه الخانة حتي يتأتي لي أن أسال عن الفرق بين أن كون هاوية أو محترفة
و عندما فعلت حين جاء دوري " مفيش فرق" !! و شرع في ملء الأوراق كلها بخط يده، عشرة أوراق لكل منا، و تساءلت لماذا يملأ هذا الشيخ كل شيء بيديه و نحن في عصر الحكومة الالكترونية و لماذا ليس هناك مسودات مجهزة قبلاً حتي يتم عمله أفضل و أسرع و لا يشعر بالحنق علينا لأنه سيملأ لنا كل هذا بيده. شعرت بليونة الشيخ في الحديث بعد أن كان علي وشك ضربي بالعصا، لعله قرأ في وجهي قراءتي لوجهه.. لعله رأي في عيني ما رايته خلف وجهه المتهكم و تقززه من الحياة ..لعله أدرك أنني قد أكون ابنته يوماً و قد أفتح الله عليها و نوت القيادة! عدت الي منزلي لأواجه ألام رأسي من جديد ...إن وجه هذا الشيخ يأبي أن يترك رأسي و لا أدري السبب ..سأبتلع قرصين من الدواء مرة أخري حتي تزول صورته مع الصداع!

السبت، 8 نوفمبر 2008

تمرد شجرة



بأنفاس لاهثة تنشدين الهاوية..تحفرين قبر الحياة بمعول السراب..تسقطين أوراقك الوارفة..تقتلعينها من الجذور ..انتظري، مازال هناك عشش للصبر فوق الفروع تعود لها الأطيار في المغيب، و عند الشروق يملؤك شدوها ..أسبابك....أعلمها.... أليست هي أسبابنا جميعا؟ً..ألسنا كلنا جرحي العروق ننزف الحياة نزفاً..و لكنك شجرة الحياة، فكيف تقدمي على قطعه، كيف تعاودين الكرة من جديد...ألا تذكرين ذاك الخريف حينما اهتزت أوصال الجذور بوحشية الفرح..فكادت الأرض تميد و السماء تسقط فوق الرؤوس ..الفرح ليس لكي.. بل ...من يتظللون بك و يقطفون الثمر كل حين..يأكلون كدح السنون في لحظات الشبع المهين..قدرك أن تمدي الأغصان للسماء لا أن تصل إليها..أن تنتظري حبات المطر فتورقين ولا ترتوي...أن تمتد جذورك في الأرض فلا تتحركي ..أن يأتيك البستاني فيشذب نموك علك لا تشيخين ...إنك شجرة الحياة... فأغلقي أهدابك علي الحلم البعيد..لأنه بعيد... فلن تحلقي في السماء لتبلغيه ولن تمزقي الجذور، بل ستخضعين للبستاني خضوع الذليل و تضحين بأرواح أفرعك الباسقة...و لا تميلين.

تتخلل رياح المساء الورق الذابل و تداعب جدائلك....يتمايل كيانك على أنغام أنشودة الليل، تتلامس أوراقك ....تغني ..ها هو حلم التغيير..يرحل مودعاً تمردك الموسمي ...ها أنت تعودين بورقة جديدة تنتظر قطرات الندى.


السبت، 1 نوفمبر 2008

اليوم


اليوم..هو اليوم أمس و هو اليوم غداً ..الصباح ببرودته و هواجس المسئوليات فيه ..بحر الحياة هائجة موجاته تتلاطم لتغرق السابحين نحو شاطئ السعادة الوهمي. الخريف هوائي المزاج يعبث بأعمارنا ..يقترب دون أن نعي ، يغرقنا بالنسيم البارد و الهواء و المطر، حتى ننسي كم يمتص من رحيق أيامنا لحين ميعاد الفناء. يتراجع ربيع العمر خجلاً ..خائف من خطوات الخريف المقترب..يخبرنا برحيله أن قطرات الوقت في زوال، فإن لم نلاحقها بأفواهنا جفت بقدوم الشتاء.