الثلاثاء، 20 يناير 2009

غزة

قضيت الأسبوعين الماضيين أمام الشاشة أتابع ما يتابعه العالم، ستة عشر يوماَ من الغضب و الألم و الفجيعة نددت و كرهت و بكيت مع الباكيين دمع القلب أنهاراً لرؤية الدمار و الدماء ...تعجبت من القدرة الغريبة ....للعجز..هذا الإحساس الذي ملأ الكون فخرج غاضباُ ينادي بوقف الدمار و و قف النزف و تساقط الأشلاء الحية كغيث غاضب من السماء ....ستة عشر يوماً من الصور حتى امتلأت النفس بكل صور الأطفال الممكنة.

كنت أعيب على من يتهربون من الرؤية ..كنت ألوم خشيتهم ...كنت أحسب أن من لا يرى فلن يشعر و كأنه هكذا يخون مع الخائنين و يلوث يديه بدماء الأبرياء تماما كمن لا يصرخ في وجه الحقيقة لأنه لا يراها.

تزاحمت أحداث الحياة و كأنها تخرج لسانها للحرب و الدماء ..تعلن استمرارها المقيت برغم حجم الموت الجاثم على ذرات الهواء حتى تشبع و باتت رائحة الشواء و البارود ممكنة ...أقرب من الصورة. أعطت الحياة ظهرها للحرب و استمرت نكاية في الوجيعة. و تعجبت ثانية من حجم العجز الصارخ في شوارع العالم ...كيف لم يستطع كل هذا العجز الوصول في النهاية لنقيضه من فرط تكثيف وجوده على الساحة العالمية. كيف لا يمكن لإرادة كون ما أن تغير أحداثه ...ألهذا الحد بات الإنسان لا يملك من أمر انسانيته أو دينه شيئاً ....أي صراخ بعد ذلك سيجدي و أي غضب سيعيد للرأس المنكس ارتفاعه و بأي حق يمكن لنا أن بعد ذلك أن نطالب. أي قول بعد ذلك يجدي و ما تزال الأشلاء تسقط فوق أرضٍِ لتزيدها طهارة و فوق رؤوس تزيدها تنكيساً. و جاءت لحظة كنت أخشاها ...لحظة كفت عيني فيها عن البكاء لأنها لم تعد تستطيع الرؤية ...لم تعد تملك عبارتها أو تحتمل صوراً جديدة ...كنت موقنة أن الإنسانية ستنتصر في النهاية ...و لكن أين النهاية ....الأطفال تسقط بلا ثمن

و الأمهات ترمل و الشيوخ يلعنون العمر الذي طال ليشاهدوا أشلاء الأحفاد و أبائهم. كنت موقنة من أنني لن أيأس قبل أن تجف عين الدماء تلك....و لكنني وصلت للنهاية وحدي...نهايتي أنا نهاية احتمالي و بداية تحولي الى حجر أصم يحوطه اللحم و الدم علامة على الحياة. غداً سأسمع الأغاني من جديد و أشاهد الحفلات و الأفلام ...غداً سأضحك ضحكة جوفاء حتى أستمر في الحياة ..غداً سأقيم حفلاً يحضره الأصدقاء إعلاناً لميلاد موتي الجديد...غداً سأتحجر و تحمل عيني معناً جديداً لليأس ...لم يعد لدي أذيال أجرها ورائي و رأسي قطعتها كي لا أزيدها تنكيساً.


12\1\2009

ليست هناك تعليقات: